سفر وترفيه
9:25 ص
السياحة والسفر.. علم ودعوة وترفيه!
بعض الناس لا يؤمن بالسياحة، ولا يعرف فوائدها، ولا يحب السفر أو الترفيه والترويح عن النفس، وأنا كنت منهم، ولكني كنت أقصر مفهوم السياحة والسفر على طلب العلم والدعوة أو الجهاد في سبيل الله تعالى، ثم غيرت رأيي ليس فقط لأني تزوجت، بل لأسباب أخرى سأذكرها لاحقا، وبحثت بعد الزواج عن رحلة سفر للتغيير والترويح أو لقضاء وقت ممتع مع العروس القادمة حديثا من مصر (حدث هذا منذ قرابة عشرين عاما)، فلم أجد أفضل من التوجه برحلة بالطائرة لجدة ومن ثم مكة المكرمة والمدينة النبوية المطهرة، فجمعت بين الترويح والعبادة وفعل الطاعة، ورؤية الأماكن المقدسة التي كانت الزوجة مشتاقة لها، وتراها لأول مرة.
ولكني تأملت فيمن اعتاد على الاعتمار مرات أثناء العام الدراسي، وحج بيت الله الحرام في نصف العام، فأين يذهب في أثناء الإجازة السنوية، أو إجازة الصيف؟
وكنت أتحرج من السفر أو التنقل دون سبب من طلب علم أو علاج أو زيارة الأرحام، ولا أحب التنزه أو الترويح إلا في حدود ضيقة، وأيضا لأني قرأت حديثا نبويا وكنت أنشره وأطبقه وهو: عن أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى"
رواه أبو داود بإسناد صحيح، وبعد البحث في الموضوع وسؤال أهل العلم والرجوع لشرح الحديث في عون المعبود شرح سنن أبي داود: قال في السراج المنير : كأن هذا السائل استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الذهاب في الأرض قهرا لنفسه بمفارقة المألوفات والمباحات واللذات, وترك الجمعة والجماعات, وتعليم العلم ونحوه, فرد عليه ذلك كما رد على عثمان بن مظعون في التبتل انتهى ( أي السماح له بترك الزواج والانقطاع أو التفرع للعبادة) .
و بعد حل هذا الإشكال وجدت للسياحة والسفر والتنقل فوائد عديدة وهي تحصل بجمع النية بين الجهاد والدعوة وصلة الأقارب والأرحام وأيضا النظر في الكون والتفكر
قال الله تعالى : (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) الأنعام
وقال سبحانه:(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {29/20} وأيضا السفر للراحة وتجديد النشاط بعد عناء العمل أو الغربة لمدة عام ،وكذلك لزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء.
النية الصالحة في السفر:
فمن أراد السفر والسياحة للترفيه عن النفس وعن الأولاد فهذا يعتبر من باب الترويح لاستعادة القوة والحيوية والنشاط، وقد ورد في حديث صحيح ياحنظلة ساعة وساعة رواه مسلم وغيره،وأما ما يتناقله بعض الناس:" روحوا القلوب ساعة وساعة" فهو حديث ولكن يشهد له ما في صحيح مسلم وغيره من حديث حنظلة السابق.
إصابة النفس بالفتور:
فالنفس قد تمل، أو تشعر بالتعب والإرهاق، وتحتاج لراحة وتغيير لاستعادة النشاط، والرجوع للهمة والشعور بالحيوية مجددا، وهذا يحدث مع تغيير الأجواء، أو بالانتقال والسفر وتنويع الأنشطة، أو رؤية من هم في مصيبة، أو مرض أو ضعف فيحمد المسلم ربه تعالى على نعمه، ويزداد إيمانه، ويرضى بما قسم الله تعالى له.
استحضار النية الصالحة:
ومن أراد السفر للترويح عن نفسه وأهله، واستعادة النشاط، فينبغي أن يكون هذا العمل مشروعا، ويحدث هذا باستحضار هذه النية الصالحة، وأن يكون السفر للطاعة، لا للمعصية، وينبغي أن يسافر المسلم عموما سفر طاعة لطلب العلم والجهاد ومنه الدعوة إلى الله، أو للعلاج أو للتجارة المشروعة. ولا ينس خلال السفر أن يقوم بواجباته، ولا يترك شخصيته، أو شخصية أبائه لتذوب في ثقافات أخرى وإن كان له أقارب وأرحام فليبدأ بهم من باب صلة الأرحام.
البعد عن المنكرات:
و أما من يسافر للراحة وتجديد النشاط والترفيه المباح فعليه أن يتحصن عن المعاصي
ويبتعد عن الوقوع في الأماكن السياحية الموبوءة ، فلا يسافر لأماكن يتوفر فيها ارتكاب الذنوب
أو يسهل عليه فيها الوقوع في المعصية، وعليه أن يبتعد عن أماكن الشبهات والشهوات، وتغيير العقائد وإفساد المفاهيم.
مع الاهتمام في أثناء السفر بدعوة غير المسلمين للإسلام، ولو بالسلوك الطيب والمعاملة الحسنة، أو بإهداء بعض الكتيبات أو الأشرطة التي تبين محاسن الإسلام. ولا ينسى المسلم أن يعتز بدينه ويفخر بتاريخه و ويتمسك بحضارته.
ملخص كلام العلماء:
وبعد سؤال أهل العلم صرحوا بجواز السفر للبلاد غير المسلمة لطلب العلم إذا لم يكن هذا العلم متوفرا في بلاد المسلمين، ولطلب العلاج، ولزيارة الأرحام، وللتجارة، والاستيراد أو للتصدير، أما للنزهة والترويح فلا داعي للسفر لبلاد الكفار
وأنصح الراغبين في السفر المباح لطلب العلم أو للعلاج، أو للترفيه واستعادة النشاط بالآتي :
1) عدم الدخول لأماكن الرقص
والخلاعة والفن الهابط .
2) عدم دخول أماكن الإثارة واصطياد الرجال.
3) التنزه في الأماكن التي يذهب إليها العائلات المحافظة
في تلك البلاد ، والابتعاد عن أماكن إثارة الشبهات
كالطرق الصوفية المنحرفة المنتشرة في غالبية البلاد .
كما أنصح بالابتعاد عن أماكن الشهوات والإثارة باسم الفن
أو لحب الفضول والتعرف على المجهول ، فهذا يؤدي للوقوع في المحظورات وحب الشهوات .
يجب أن نحافظ في أثناء السفر على الصلوات في المساجد، أو حضور المحاضرات النافعة لزيادة الوعي الثقافي، و التمتع بمشاهدة الأنشطة الثقافية المنوعة كمعارض الكتب،
وزيارة المراكز الثقافية والمكتبات العامة والتجارية وغيرها من
الأنشطة المختلفة التي تقوي الإيمان، وتعين الإنسان في مجاهدة نفسه وإبعادها عن طريق الغواية، وملازمتها لدرب الاستقامة.
و من يرغب في زيارة الأماكن السياحية التاريخية فيكون ذاك للعظة والاعتبار، وإذا زرتم أماكن فيها بدع محرمة في فنون الذكر البدعية أو غيرها ، فليكن ذلك لمعرفة الجهل والضلال وأن نحمد الله تعالى على نعمة العلم والمحافظة على السنة.